موضوع: علو الهمة.. رفعة للإنسان المسلم الجمعة 23 نوفمبر 2012 - 3:32
العلو مطلبٌ سامٍ تعشقه النفوس السامية، فكفى بعالي الهمة عشقه للمراتب العليا في الجنة، وإنّ الهمة في مدلولها تعني توجه القلب وقصده، وأصحاب الهمم العالية من قصدوا بكليتهم سبيل الحق فهاموا بالله وعكفت قلوبهم عليه، وفرّغوا القلب لمحبته والإنابة والتوكل عليه والاشتغال بمرضاته. تعريف الهمة: عمل قلبي لا سلطان عليه لغير صاحبه، وهي الباعث على الفعل، فالمرء يطير بهمته فتحلق به إلى الأعالي طليقة بعيداً عما يقيده من قيود تحد من نشاطه. أما علو الهمة: فهو استصغار ما دون النهاية من معالي الأمور، وأن يطلب من كل أمر أعلاه وأقصاه، وهو الباعث على العلو ومقدمة الفضائل وهو أساس الأمور كلها، وهو أيضاً يسرّع في اجتياز المراحل. وعلو الهمة مع العلم حياة للقلب، وكلما كان القلبُ أتمَّ حياة كانت همته أعلى، وإنّ الحياة الطيبة إنما تنال بالهمة العالية والمحبة الصادقة والإرادة الخالصة. وعلو الهمة ليس ضرباً من الخيال بل هو اكتناز في قلوب من أحب الله وبذل الرغبة في الصعود والرقي. ومفهوم علو الهمة هو أن يكون لدى المسلم أهدافٌ عليا وبرامجُ عملية طموحة وجريئة يسعى إلى تحقيقها بعزيمة قوية وإرادة جبارة، كأن يضع المسلم في باله وضمن أهدافه إحياء الثلث الأخير من الليل لما ثبت في فضله.
من أروع ما قيل في علو الهمة في القرآن: حضنا الله سبحانه على التنافس والمسارعة إلى الخير، فإن من طلب المعالي تذللت أمامه كل العقبات التي بينه وبين خالقه، وقال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران/ 133)، وقوله سبحانه: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (الحديد/ 21)، وقال تعالى: (.. وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) (المطففين/ 26)، (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) (البقرة/ 148)، (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) (البقرة/ 61). وقال ابن قتيبة في حِكَمه: "ذو الهمة إن حطّ فنفسه تأبى إلا علوا، كالشعلة من النار يصوبها صاحبها وتأبى إلا ارتفاعاً، وقد قيل: "همة المؤمن أبلغ من عمله". وورد في الحديث الشريف: من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه" (رواه مسلم وغيره). وقد يتفوق المؤمن على غيره بهمته العالية، كما بين ذلك الحبيب المصطفى (ص): "سبق درهم مائة ألف"، قالوا: يا رسول الله، كيف يسبق درهم مائة ألف؟ قال: "رجل كان له درهمان فأخذ أحدهما فتصدق به، وآخر له مال كثير فأخذ من عرضها مائة ألف" (رواه أحمد وغيره). إنّ من وُهب همة عالية فإنّه يقدم الغالي والنفيس، ويرخص عنده كل غال من أجل أن يصل إلى مبتغاه؛ لأنّه ما من إنسان يحصل على ما يريد إلا بالمثابرة والمجاهدة والزهد في توافه الأمور، فالكمالات لا تنال إلا بالمشقة. وصدق من قال: بصرت بالراحة الكبرى فلم ترها **** تُنال إلا على جسر من التعب فصاحب الهمة العالية يندفع بسرعة وبثقة وقوة نحو غايته التي خطط الوصول إليها، فيقتحم الأهوال ويستسهل الصعاب.