بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى : " واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا * ورفعناه مكانا عليا " فإدريس عليه السلام قد أثنى عليه ووصفه بالنبوة والصديقية. وهو في عمود نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما ذكره غير واحد من علماء النسب .
وكان أول بني آدم أعطى النبوة بعد آدم وشيث عليهما السلام .
وذكر ابن إسحاق أنه أول من خط بالقلم ، وقد أدرك من حياة آدم ثلاثمائة سنة وثماني سنين . وقد قال طائفة من الناس : إنه المشار إليه في حديث معاوية بن الحكم السلمي لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخط بالرمل فقال : " إنه كان نبي يخط به فمن وافق خطه فذاك " .
يزعم كثير من علماء التفسير والأحكام أنه أول من تكلم في ذلك ، ويسمونه هرمس الهرامسة ، ويكذبون عليه أشياء كثيرة كما كذبوا على غيرة الأنبياء والعلماء والحكماء والأولياء .
وقوله تعالى : " ورفعناه مكانا عليا " هو كما ثبت في الصحيحين في حديث الإسراء : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به وهو في السماء الرابعة . وقد روى ابن جرير عن يونس عن عبد الأعلى ، عن ابن وهب ، عن جرير بن حازم ، عن الأعمش ، عن شمر بن عطية ، عن هلال بن يساف قال : سأل ابن عباس كعباً وأنا حاضر فقال له : ما قول الله لإدريس : " ورفعناه مكانا عليا " ؟ فقال كعب : أما إدريس فإن الله أوحي إليه : إني أرفع لك كل يوم مثل جميع عمل بني آدم - لعله من أهل زمانه - فأحب أن يزداد عملاً ، فأتاه خليل له من الملائكة فقال : إن الله أوحي لي كذا وكذا ، فكلم ملك الموت حتى أزداد عملاً ، فحمله بين جنياحيه ثم صعد به إلى السماء ، فلما كان في السماء الرابعة تلقاه ملك الموت منحدراً ، فكلم ملك الموت في الذي كلمه فيه إدريس ، فقال : وأين إدريس ؟ قال هو ذا على ظهري ، فقال ملك الموت : يا للعجب . بعثت وقيل لي اقبض روح إدريس في السماء الرابعة ، فجعلت أقول : كيف أقبض روحه في السماء الرابعة وهو في الأرض ؟ فقبض روحه هناك . فذلك قول الله عز وجل : " ورفعناه مكانا عليا " .
ورواه ابن أبي حاتم عند تفسيرها ، وعند فقال لذلك الملك : سل لي ملك الموت كم بقي من عمري ؟ فسأله وهو معه : كم بقي من عمره ؟ فقال : لا أدري حتى أنظر ، فنظر فقال : إنك لتسألني عن رجل ما بقي من عمره إلا طرفة عين ، فنظر الملك إلى تحت جناحه إلى إدريس فإذا هو قد قبض وهو لا يشعر .
وهذا من الإسرائيليات ، وفي بعضه نكارة .
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : " ورفعناه مكانا عليا " قال : إدريس رفع ولم يمت كما رفع عيسى ، إن أراد أنه لم يمت إلى الآن ، ففي هذا نظر ، وإن أراد أنه رفع حياً إلى السماء ثم قبض هناك . فلا ينافي ما تقدم عن كعب الأحبار . . والله أعلم وقال الوفي عن ابن عباس في قوله : " ورفعناه مكانا عليا " رفع إلى السماء السادسة فمات بها ، وهكذا قال الضحاك . والحديث المتفق عليه من أنه في السماء الرابعة أصح ، وهو قول مجاهد وغيره واحد ، وقال الحسن البصري : " ورفعناه مكانا عليا " قال : إلى الجنة ، وقال قائلون : رفع في حياة أبيه : يرد بن مهلاييل . . والله أعلم . وقد زعم بعضهم أن إدريس لم يكن قبل نوح ، بل في زمان بني إسرائيل .
قال البخاري : ويذكر عن ابن مسعود وابن عباس : أن إلياس هو إدريس ، واستأنسوا في ذلك بما جاء في حديث الزهري عن أنس في الإسراء : أنه لما مر به عليه السلام قال له : مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح . ولم يقل كما قال آدم وإبراهيم : مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح . قالوا : فلو كان في عمود نسبه لقال كما قالا له .
وهذا لا يدل ولا بد ، لأنه قد لا يكون الراوي حفظه جيداً ، أو لعله قاله على سبيل الهضم والتواضع ، ولم ينتصب له في مقام الأبوة كما انتصب لآدم أبي البشر ، وإبراهيم الذي هو خليل الرحمن وأكبر أولى العزم بعد محمد . . صلوات الله عليهم أجمعين .
منقول
فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14) سبأ