الوكيل
قال الله تعالى : { الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل} فهو سبحانه المتولي لتدبير خلقه ، بعلمه، وكمال قدرته، وشمول حكمته. الذي تولى أوليائه، فيسرهم لليسرى، وجنبهم العسرى وكفاهم الأمور. فمن اتخذه وكيلاً كفاه : {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور} .
ذو الجلال والإكرام
أي ذو العظمة والكبرياء، وذو الرحمة، والجود، والإحسان العام والخاص. المكرم لأوليائه وأصفيائه، الذين يجلونه، ويعظمونه، ويحبونه، قال تعالى : {تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام } .
جامع الناس ليوم لا ريب فيه
قال الله تعالى: {ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد} فالله سبحانه وتعالى هو جامع الناس ، وجامع أعمالهم وأرزاقهم، فلا يترك منها صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.وجامع ما تفرق واستحال من الأموات الأولين والآخرين، بكمال قدرته، وسعة علمه.
بديع السموات والأرض
قال الله تعالى : {بديع السموات والأرض وإذا قضى أمراً فإنما يقول كن فيكون} أي: خالقهما ومبدعهما، في غاية ما يكون من الحسن والخلق البديع، والنظام العجيب المحكم.
وقال تعالى : {وهو الذي يبدؤ الخلق ثم يعيده} ابتدأ خلقهم، ليبلوهم أيهم أحسن عملاً ، ثم يعيدهم، ليجزي الذين أحسنوا بالحسنى، ويجزي المسيئين بإساءتهم. وكذلك، هو يبدأ إيجاد المخلوقات شيئاً فشيئاً، ثم يعيده كل وقت.
وقال تعالى : {إن ربك فعّال لما يريد} وقال سبحانه : {ذو العرش المجيد * فعال لما يريد} .
وهذا من كمال قوته، ونفوذ مشيئته، وقدرته، أن كل أمر يريده يفعله بلا ممانع، ولا معارض. وليس له ظهير ولا عوين، على أي أمر يكون. بل إذا أراد شيئاً قال له (كن فيكون).ومع أنه الفعال لما يريد، فإرادته، تابعة لحكمته وحمده. فهو موصوف بكمال القدرة، ونفوذ المشيئة.وموصوف بشمول الحكمة، لكل ما فعله ويفعله.
الكافي
قال الله تعالى : {أليس الله بكاف عبده} .
فهو سبحانه الكافي عباده جميع ما يحتاجون ويضطرون إليه. الكافي كفاية خاصة، من آمن به، وتوكل عليه، واستمد منه حوائج دينه ودنياه.
الواسع
قال الله تعالى : {والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم} .فهو سبحانه وتعالى واسع الصفات، والنعوت، ومتعلقاتها بحيث لا يحصي أحد ثناء عليه بل هو كما أثنى على نفسه .واسع العظمة ، والسلطان، والملك واسع الفضل، والإحسان، عظيم الجود والكرم.
الحق
الله عز وجل هو الحق في ذاته وصفاته.فهو واجب الوجود، كامل الصفات والنعوت، وجوده من لوازم ذاته. ولا وجود لشيء من الأشياء إلا به. فهو الذي لم يزل، ولا يزال، بالجلال، والجمال، والكمال موصوفاً.
ولم يزل ولا يزال بالإحسان معروفاً. فقوله حق، وفعله حق، ولقاؤه حق، ورسله حق، وكتبه حق، ودينه هو الحق، وعبادته وحده لا شريك له، هي الحق، وكل شيء ينسب إليه، فهو حق. { ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل، وأن الله هو العلي الكبير} {وقل الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} {فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق الضلال} {وقل جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقاً} وقال الله تعالى : {يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين} .
فأوصافه العظيمة حق، وأفعاله هي الحق، و عبادته هي الحق، ووعده حق، ووعيده وحسابه هو العدل الذي لا جور فيه.
الجميل
قال صلى الله عليه وسلم : (( إن الله جميل يحب الجمال)) فهو سبحانه جميل بذاته، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، فلا يمكن مخلوقاً أن يعبر عن بعض جمال ذاته، حتى أن أهل الجنة مع ما هم فيه من النعيم المقيم واللذات والسرور والأفراح التي لا يقدر قدرها إذا رأوا ربهم وتمتعوا بجماله نسوا ما هم فيه من النعيم وتلاشى ما فيه من الأفراح، وودّوا أن لو تدوم هذه الحال، واكتسبوا من جماله ونوره جمالاً إلى جمالهم، وكانت قلوبهم في شوق دائم ونزوع إلى رؤية ربهم، ويفرحون بيوم المزيد فرحاً تكاد تطير له القلوب.
وكذلك هو الجميل في أسمائه، فإنها كلها حسنى بل أحسن الأسماء على الإطلاق وأجملها، قال تعالى : {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} وقال تعالى : {هل تعلم له سمياً} فكلها دالة على غاية الحمد والمجد والكمال، لا يسمى باسم منقسم إلى كمال وغيره. وكذلك هو الجميل في أوصافه، فإن أوصافه كلها أوصاف كمال ونعوت ثناء وحمد، فهي أوسع الصفات وأعمها وأكثرها تعلقاً، خصوصاً أوصاف الرحمة، والبر، والكرم، والجود، وكذلك أفعاله كلها جميلة، فإنها دائرة بين أفعال البر والإحسان التي يحمد عليها ويثنى عليه ويشكر، وبين أفعال العدل التي يحمد عليها لموافقتها للحكمة والحمد، فليس في أفعاله عبث، ولا سفه، ولا سدى، ولا ظلم، كلها خير، وهدى، ورحمة، ورشد، وعدل : {إن ربي على صراط مستقيم} فلكماله الذي لا يحصي أحد عليه به ثناء كملت أفعاله كلها فصارت أحكامه من أحسن الأحكام، وصنعه وخلقه أحسن خلق وصنع: أتقن ما صنعه : {صنع الله الذي أتقن كل شيء} وأحسن خلقه.{الذي أحسن كل شيء خلقه} {ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون} والأكوان محتوية على أصناف الجمال، وجمالها من الله تعالى فهو الذي كساها الجمال وأعطاها الحسن، فهو أولى منها لأن معطي الجمال أحق بالجمال، فكل جمال في الدنيا والآخرة باطني وظاهري، خصوصاً ما يعطيه المولى لأهل الجنة من الجمال المفرط في رجالهم ونسائهم، فلو بدا كفّ واحدة من الحور العين إلى الدنيا، لطمس ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم، أليس الذي كساهم ذلك الجمال ومنّ عليهم بذلك الحسن والكمال أحق منهم بالجمال الذي ليس كمثله شيء.فهذا دليل عقلي واضح مسلّم المقدمات على هذه المسألة العظيمة وعلى غيرها من صفاته، قال تعالى : {ولله المثل الأعلى} فكل ما وجد في المخلوقات من كمال لا يستلزم نقصاً، فإن معطيه وهو الله أحق به من المعطى بما لا نسبة بينهم ، كما لا نسبة لذواتهم إلى ذاته وصفاتهم إلى صفاته، فالذي أعطاهم السمع، والبصر، والحياة، والعلم، والقدرة، والجمال، أحق منهم بذلك، وكيف يعبِّر أحد عن جماله وقد قال أعلم الخلق به : ((لا أحصي ثناء عليك كما أثنيت على نفسك)) وقال صلى الله عليه وسلم : ((حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)) فسبحان الله وتقدس عما يقوله الظالمون النافون لكماله علواً كبيراً، وحسبهم مقتاً وخساراً أنهم حرموا من الوصول إلى معرفته والابتهاج بمحبته.
قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : ((لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله، يجعلون له الولد وهو يعافيهم ويرزقهم)) وقال أيضاً في الصحيح: قال الله تعالى : ((كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك.وشتمني ابن آدم ولم يكن له ذلك. فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني.وليس أول الخلق بأهون عليَّ من إعادته.وأما شتمه إياي فقوله إن لي ولداً وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد)) فالله تعالى يدر على عباده الأرزاق المطيع منهم والعاصي، والعصاة لا يزالون في محاربته وتكذيبه وتكذيب رسله والسعي في إطفاء دينه، والله تعالى حليم على ما يقولون وما يفعلون، يتتابعون في الشرور وهو يتابع عليهم النعم ، وصبره أكمل صبر لأنه عن كمال قدرة وكمال غنى عن الخلق وكمال رحمة وإحسان ، فتبارك الرب الرحيم الذي ليس كمثله شيء الذي يحب الصابرين ويعينهم في كل أمرهم.
الرفيق
مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : ((إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطى على ما سواه )) فالله تعالى رفيق في أفعاله، خلق المخلوقات كلها بالتدريج شيئاً فشيئاً بحسب حكمته ورفقه، مع أنه قادر على خلقها دفعة واحدة وفي لحظة واحدة. ومن تدبر المخلوقات وتدبر الشرائع كيف يأتي بها شيئاً بعد شيء شاهد من ذلك العجب العجيب، فالمتأني الذي يأتي الأمور برفق وسكينة ووقار، اتباعاً لسنن الله في الكون واتباعاً لنبيه صلى الله عليه وسلم. فإن من هذا هديه وطريقه تتيسر له الأمور، وبالأخص الذي يحتاج إلى أمر الناس ونهيهم وإرشادهم، فإنه مضطر إلى الرفق واللين، وكذلك من آذاه الخلق بالأقوال البشعة وصان لسانه عن مشاتمتهم، ودافع عن نفسه برفق ولين، اندفع عنه من أذاهم ما لا يندفع بمقابلتهم بمثل مقالهم وفعالهم، ومع ذلك فقد كسب الراحة والطمأنينة والرزانة والحلم.
والله عز وجل يغيث عباده إذا استغاثوا به سبحانه فعن أنس بن مالك أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ثم قال يا رسول الله : هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا ، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال ((اللهم أغثنا.اللهم أغثنا. اللهم أغثنا )) فالله عز وجل يغيث عباده في الشدائد والمشقات، فهو يغيث جميع المخلوقات عندما تتعسر أمورها وتقع في الشدائد والكربات: يطعم جائعهم ويكسو عاريهم، ويخلص مكروبهم، وينزل الغيث عليهم في وقت الضرورة والحاجة، وكذلك يجيب إغاثة اللهفان أي دعاء من دعاه في حالة اللهف والشدة والاضطرار، فمن استغاثه أغاثه.وفي الكتاب والسنة من ذكر تفريجه للكربات، وإزالته الشدائد، وتيسيره للعسير شيء كثير جداً معروف .
الحي ، الستير
هذا مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم : ((إن الله حيي يستحي من عبده إذا مدّ يديه إليه أن يردهما صفراً )) وقال صلى الله عليه وسلم : ((إن الله عز وجل حليم، حيي ستير يحب الحياء والستر فإذا اغتسل أحدكم فليستتر)) وهذا من رحمته، وكرمه، وكماله، وحلمه أن العبد يجاهره بالمعاصي مع فقره الشديد إليه، حتى أنه لا يمكنه أن يعصي إلا أن يتقوى عليها بنعم ربه، والرب مع كمال غناه عن الخلق كلهم من كرمه يستحي من هتكه وفضيحته وإحلال العقوبة به ، فيستره بما يقيّض له من أسباب الستر، ويعفو عنه ويغفر له، فهو يتحبب إلى عباده بالنعم وهم يتبغّضون إليه بالمعاصي، خيره إليهم بعدد اللحظات وشرهم إليه صاعد، ولا يزال الملك الكريم يصعد إليه منهم بالمعاصي وكل قبيح.
ويستحي تعالى ممن شاب في الإسلام أن يعذبه وممن يمد يديه إليه أن يردهما صفراً، ويدعو عباده إلى دعائه ويعدهم بالإجابة وهو الحيي الستِّير يحب أهل الحياء والستر، ومن ستر مسلماً ستر الله عليه في الدنيا والآخرة، ولهذا يكره من عبده إذا فعل معصية أن يذيعها، بل يتوب إليه فيما بينه وبينه ولا يظهرها للناس، وإن من أمقت الناس إليه من بات عاصياً والله يستره ، فيصبح يكشف ستر الله عليه ، وقال تعالى :{إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين ءامنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة} وهذا كله من معنى اسمه (الحليم) الذي وسع حلمه أهل الكفر والفسوق والعصيان ، ومنع عقوبته أن تحل بأهل الظلم عاجلاً،فهو يمهلهم ليتوبوا، ولا يهملهم إذا أصروا واستمروا في طغيانهم ولم ينيبوا.
الإله
هو الجامع لجميع صفات الكمال ونعوت الجلال ، فقد دخل في هذا الاسم جميع الأسماء الحسنى، ولهذا كان القول الصحيح أن (الله) أصله (الإله) وأن اسم (الله) هو الجامع لجميع الأسماء الحسنى والصفات العلى والله أعلم
قال الله تعالى : {إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلاً} .
القابض ، الباسط ، المعطي
قال الله تعالى : {والله يقبض وبسط وإليه ترجعون} وقال صلى الله عليه وسلم : ((إن الله هو المسعِّر، القابض، الباسط، الرزاق ..)) وقال صلى الله عليه وسلم : (( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين والله المعطي وأنا القاسم..)) . وقال صلى الله عليه وسلم : (( إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه ، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل )) الحديث.
وقال تعالى : {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير} وقال صلى الله عليه وسلم : (( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين )) وقد كان صلى الله عليه وسلم يقول بعد السلام من الصلاة حينما ينصرف إلى الناس : ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد )) .
هذه الصفات الكريمة من الأسماء المتقابلات التي لا ينبغي أن يثنى على الله بها إلا كل واحد منها مع الآخر، لأن الكمال المطلق من اجتماع الوصفين، فهو القابض للأرزاق والأرواح والنفوس، والباسط للأرزاق والرحمة والقلوب . وهو الرافع لأقوام قائمين بالعلم والإيمان ، الخافض لأعدائه. وهو المعز لأهل طاعته، وهذا عز حقيقي، فإنَّ المطيع لله عزيز وإن كان فقيراً ليس له أعوان ، المذل لأهل معصيته وأعدائه ذلاً في الدنيا والآخرة. فالعاصي وإن ظهر بمظاهر العز فقلبه حشوه الذل وإن لم يشعر به لانغماسه في الشهوات فإن العز كل العز بطاعة الله والذل بمعصيته {ومن يهن الله فما له من مكرم} {من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً} {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} وهو تعالى المانع المعطي فلا معطي لما منع، ولا مانع لما أعطى.
وهذه الأمور كلها تبع لعدله وحكمته وحمده، فإن له الحكمة في خفض من يخفضه ويذله ويحرمه، ولا حجة لأحد على الله، كما له الفضل المحض على من رفعه وأعطاه وبسط له الخيرات، فعلى العبد أن يعترف بحكمة الله، كما عليه أن يعترف بفضله ويشكره بلسانه وجنانه وأركانه ، وكما أنه هو المنفرد بهذه الأمور وكلها جارية تحت أقداره، فإن الله جعل لرفعه وعطائه وإكرامه أسباباً، ولضد ذلك أسباباً من قام بها ترتبت عليه مسبباتها، وكلٌ ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة ، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة ، وهذا يوجب للعبد القيام بتوحيد الله، والاعتماد على ربه في حصول ما يحب ، ويجتهد في فعل الأسباب النافعة فإنها محل حكمة الله.
المقدم ، والمؤخر
كان من آخر ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم بين التشهد والتسليم : (( اللهم اغفر لي ما قدمت، وما أخرت، وما أسررت، وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني. أنت المقدم، وأنت المؤخر. لا إله إلا أنت)) .
المقدم والمؤخر هما كما تقدم من الأسماء المزدوجة المتقابلة التي لا يطلق واحد بمفرده على الله إلا مقروناً بالآخر، فإن الكمال من اجتماعهما، فهو تعالى المقدم لمن شاء والمؤخر لمن شاء بحكمته.
وهذا التقديم يكون كونياً كتقديم بعض المخلوقات على بعض وتأخير بعضها على بعض، وكتقديم الأسباب على مسبباتها والشروط على مشروطاتها.
وأنواع التقديم والتأخير في الخلق والتقدير بحر لا ساحل له. ويكون شرعياً كما فضل الأنبياء على الخلق وفضل بعضهم على بعض، وفضل بعض عباده على بعض، وقدمهم في العلم، والإيمان، والعمل، والأخلاق، وسائر الأوصاف، وأخَّر من أخَّر منهم بشيء من ذلك وكل هذا تبع لحكمته. وهذان الوصفان وما أشبههما من الصفات الذاتية لكونهما قائمين بالله والله متصف بهما، ومن صفات الأفعال لأن التقديم والتأخير متعلق بالمخلوقات ذواتها، وأفعالها، ومعانيها، وأوصافها، وهي ناشئة عن إرادة الله وقدرته.
فهذا هو التقسيم الصحيح لصفات الباري، وإن صفات الذات متعلقة بالذات، وصفات أفعاله متصفة بها الذات ومتعلقة بما ينشأ عنها من الأقوال والأفعال.
قال الله عز وجل : {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير } وقال الله تعالى : {قل فمن يملك لكم من الله شيئاً إن أراد بكم ضراً أو أراد بكم نفعاً بل كان الله بما تعملون خبيراً } .
وصفة الضر والنفع هما كما تقدم من الأسماء المزدوجة المتقابلة . فالله تعالى النافع لمن شاء من عباده بالمنافع الدينية والدنيوية، الضار لمن فعل الأسباب التي توجب ذلكٍ، وكل هذا تبع لحكمته وسننه الكونية وللأسباب التي جعلها موصلة إلى مسبباتها، فإنَّ الله تعالى جعل مقاصد للخلق وأموراً محبوبة في الدين والدنيا، وجعل لها أسباباً وطرقاً، وأمر بسلوكها ويسَّرها لعباده غاية التيسير، فمن سلكها أوصلته إلى المقصود النافع، ومن تركها أو ترك بعضها أو فوت كمالها أو أتاها على وجه ناقص ففاته الكمال المطلوب فلا يلومنّ إلا نفسه، وليس له حجة على الله، فإن الله أعطاه السمع، والبصر، والفؤاد، والقوة’ والقدرة، وهداه النجدين، وبين له الأسباب، والمسببات، ولم يمنعه طريقاً يوصل إلى خير ديني ولا دنيوي، فتخلفه عن هذه الأمور يوجب أن يكون هو الملوم عليها المذموم على تركها.
واعلم أن صفات الأفعال كلها متعلقة وصادرة عن هذه الصفات الثلاث: القدرة الكاملة، والمشيئة النافذة، والحكمة الشاملة التامة. وهي كلها قائمة بالله، والله متصف بها، وآثارها ومقتضياتها جميع ما يصدر عنها في الكون كله من التقديم والتأخير، والنفع والضر، والعطاء والحرمان، والخفض والرفع، لا فرق بين محسوسها ومعقولها، ولا بين دينيها ودنيويها. فهذا معنى كونها أوصاف أفعال لا كما ظنه أهل الكلام الباطل.
من كتاب شرح أسماء الله الحسنى